✨سلسلة أنوار ربيع الأول ✨
🕋 رحلة في السيرة العطرة من المولد إلى الوداع 🕋(8)
✍️نادية منصور
8 🕌غار حراء وبداية نزول الوحي🕌
في أطراف مكة المكرمة، وعلى أحد جبالها الشاهقة المسمى “جبل النور”، يوجد غار صغير اسمه غار حراء. هذا الغار لم يكن مكانًا عاديًا، بل كان بداية التحول الأكبر في تاريخ الإنسانية كلها.
منذ صغره ﷺ كان قلبه يكره عبادة الأصنام، وينفر من مظاهر الشرك والظلم التي ملأت مكة. كان يميل إلى العزلة والتأمل، يبحث عن الحقيقة، ويقضي الليالي الطوال في غار حراء يتعبد لله على ملة إبراهيم عليه السلام. كانت السكينة تغمره وهو يتأمل السماء والنجوم، ويتفكر في عظمة الخالق جلّ وعلا.
وفي ليلة مباركة من ليالي رمضان، جاءته اللحظة التي غيّرت مجرى التاريخ. ظهر له جبريل عليه السلام فجأة وقال له: “اقرأ”. ارتجف قلب النبي ﷺ، إذ لم يكن يتوقع ما حدث، وأجاب بصدق: “ما أنا بقارئ”. كرر جبريل الأمر ثلاث مرات، ثم ضمه بقوة وقال:
> “اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم.”
كانت هذه أول آيات القرآن الكريم نزولًا، إعلانًا لبداية رسالة النور والرحمة. عاد النبي ﷺ مسرعًا إلى بيته، وقلبه يرتجف مما رأى وسمع. دخل على السيدة خديجة رضي الله عنها وقال: “زملوني، زملوني”، فغطته وهدّأت من روعه. ثم قصّ عليها ما حدث، فكانت أول من صدّق وآمن به، وقالت له بكلمات تكتب بماء الذهب: “كلا والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق.”
بهذا الموقف العظيم بدأت الرسالة، وانطلقت أول شعاع من نور الوحي يبدد ظلمات الجاهلية. كان غار حراء شاهدًا على ميلاد أعظم رسالة عرفتها البشرية، رسالة الإسلام الخاتمة التي جاءت رحمةً للعالمين.
إن نزول الوحي لم يكن حدثًا عابرًا، بل هو إعلان لارتباط السماء بالأرض، وبداية عهد جديد قوامه الهداية والعدل والرحمة. ومن غار صغير في مكة انطلقت أعظم دعوة غيرت مجرى التاريخ، لتصل إلى كل قلب وكل بيت في أرجاء الدنيا.
+ There are no comments
Add yours